الرئيسيةمقالات وآراءالظلم وعاقبته على المجتمع والأفراد/ كتب: عبد الله زيدان

الظلم وعاقبته على المجتمع والأفراد/ كتب: عبد الله زيدان

الظلم ظلمات يوم القيامة.. اتقوا دعوة المظلوم وإن كان كافرا فإنّه ليس دونها حجاب.. اتقوا دعوة المظلوم فإنّها تُحمل إلى الغمام كأنّها شرارة، فيقول الله "وعزتي وجلالي لأنصرنك ولو بعد حين"، نحن نحيا في زمن كثر فيه المظلومون، فهذا أكل دينا اقترضه من هذا وآخر أكل حق أخته من الميراث أو والد حرم بناته من الميراث ومنهم سافك للدماء ومنهم، ومنهم.. بل إنّ أشكال الظلم تتعدد.. فالظلم يعود عقباه على الأفراد بل وعلى المجتمع.. فينتشر العنف ويتفشى، يُحدث تفكك اجتماعي وتفكك أسري، مشاكل عائلية ومشاكل بين أفراد بل إنّ أبرز أنواع الظلم أكل الحقوق وإنكار الدين وهذا ما يحد من وتيرة الإشكالات..

لا تظلمن إن كنت مقتدرا.. فالظلم ترجع عقباه إلى الندم

حقائق من عواقب الظلم

يروي شيخنا الجليل عبد الحميد كشك رحمه الله قصة عاش وقائعها.. يقول: "ذات مرة تقدّم شاب عادي ميسور الحال ليس بغني لخطبة فتاة، عندما توصلوا إلى اتفاق، قدّم الشاب مهرا بمبلغ 500 جنيه وخطبها ولكن لم يكن بينهما مكاتبة ولم يكن هناك شهود.. فمرّت أيام قليلة فإذا بشخص آخر غني يتقدم لخطبة الفتاة ذاتها.. فأخبر الوالد أنّ الفتاة مخطوبة ولا يمكن ذلك، فأغراه أنّه سيقدم لهم الأموال وسيكون المهر أضعافا واطردوا ذلك الشاب. فلعب الشيطان دوره وأغوى الوالد. فعندما جاء الشاب الأول إليهم قال له أنّه ليس لك عندنا شيء وعد أدراجك من حيث أتيت فقد تقدم لخطبة الابنة شاب آخر، فقال له وأين المهر؟! ، فأنكر الوالد المهر وقال له: ليس لك شيء عندنا، عندها عاد الشاب وقال: وأفوض أمري إلى الله إنّ الله بصير بالعباد.

مرّت الأيام.. وبالتحديد عند زفاف العروسين شعرت العروس بألم في بطنها.. وجّهوها إلى الطبيب ومن هناك حولوها إلى المستشفى وبعد الفحوصات تبين أنّها مصابة بسرطان بالكلى، مكثت في المستشفى فترة من الزمن وتوفيت على إثره.. لم ينتهِ الأمر عند ذلك الحد، فعندما انتهوا من مراسم دفن الفتاة.. شعر الوالد بألم في بطنه فحولوه إلى المستشفى ليتبين أيضا أنّه يعاني من سرطان في الكلى ليرقد في المستشفى فترة من الزمن ويتوفى إثر ذلك..

الظلم ظلمات يا أمة لا إله إلا الله.. في قصة رواها الشيخ فتحي زيدان في خطبته الجمعة، قصة بين طالبين كان ضحيتها طالب متفوق بعد أن تعرض للظلم في إحدى المدارس، بعد أن قرر طالب مدمن على المخدرات أن يوقع بالطالب المتفوق ويشوه سمعته، فأخذ قليلا من المخدرات ووضعه في حقيبة الطالب المتفوق وأوعز إلى شخص ليخبر الشرطة، والتي بدورها اعتقلت الشاب وتعرض للإهانة وتشوهت سمعته.. المظلوم قال: حسبي الله ونعم الوكيل. خرج دعاء الطالب إلى رب الأرباب كالشرارة، فما كان من الظالم حتى تعرض لحادث طرق ليفقد ذراعه التي وضع بها المخدرات في حقيبة الطالب المتفوق، وهنا عاد للظالم ضميره وذهب إلى الطالب واعترف له أنّه من أوشى به وطلب منه أن يسامحه، لكنّ الطالب قال له: "والله لن أسامحك إلى يوم القيامة فأنت من دمرت حياتي وشوهت سمعتي بين أقربائي والناس في الوقت الذي كنت فيه طالبا متفوقا… اتقوا دعوة المظلوم.     

 ظلم الدين يؤدي إلى العنف

نقول : إنّ الدَّين اليوم يلعب دورا كبيرا في تفشي العنف والجريمة ويصل حتى سفك الدماء.. أنا أتحدث عن المقترض الذي ينكر الدَيْن، نشير بذلك إلى الجريمة التي حدثت في بلدة اعبلين قبل شهر وراح ضحيتها شابين.. فبحسب التحقيقات التي جرت تبين أنّ مرتكب الجريمة كان له دين عند أحد الفقيدين والذي أنكر الدين، فبعد جدالات جرت بينهما قرر الأخير الانتقام، ترصد له عند الصباح عندما كان متوجها إلى عمله، أوقفه المُدين وأطلق عليه النار وكان الشاب الآخر ضحية بريئة لهذا الدين. ولا ننسى الحدث الآخر قبل سنوات عندما أقدم شخص على قتل خاله بسبب بضع مئات الشواقل في أحد البلاد الشمال..

ولقد وصف الشيخ فتحي زيدان إمام المسجد التقوى في كفرمندا الإنسان الذي يستقرض المال ثمّ ينكر الدين بالسارق.. فالسارق ليس فقط الشخص الذي يسطو على المنازل ويضطر إلى تحطيم الزجاج أو الأبواب في جنح الظلام، وإنما السارق أيضا الذي يسرقك أمام ناظريك وبمعسول الكلام لإقراضه المال ثمّ ينكر ذلك.. هنا أقول لكم: اتقوا دعوة المظلوم.

يتابع الشيخ فتحي زيدان ويروي قصة حقيقية خلال الخطبة، فيقول: "صاحب تجارة من السعودية أراد ذات مرة اقتراض مبلغ 200 ألف ريال فتوجه إلى صديق له واقترض المبلغ المذكور واتفقا على موعد محدد لاسترجاع المال ولم يكن بينهما مكاتبة وشهود. وعندما كان ذلك توجه صاحب الدين لاسترداد حقه.. وإذا بالأخير ينكر الدين، فعاد صاحب الدين وقال: حسبي الله ونعم الوكيل. مرت الأيام وإذا بالتاجر يخسر تجارة بمبلغ نصف مليون ريال وأيضا توالت الخسائر عليه، فقالت له زوجه أعد الدين الذي أنكرته فهذا نتاجه، فلم يأبه بذلك واستمر بإنكاره الدين، لم يتوقف الأمر عند ذلك. فقد وقع حادث طرق قتل فيه ثلاثة من أبناء التاجر وهنا عاد للتاجر ضميره وتوجه إلى صاحب الدين وطلب منه أن يسامحه وأعاد له ماله، قال: أعدت المال لأحافظ على بقية أولادي وعلى زوجتي وتجارتي. مرة أخرى: اتقوا دعوة المظلوم، الظلم ظلمات يوم القيامة.

 فليكن بينكم مكاتبة

وصيتي هنا: إذا تقدم أحدٌ ما مهما كانت ثقتك به عمياء ومهما كان مقربا منك، فليكن بينكما مكاتبة، فهو العلاج الوحيد لكي لا ينكر المقترض الدين.. ولكي لا تتفاقم المشكلة وتحتدم وتيرتها، وهو العلاج الذي أوصى به القرآن، قال تعالى في آية الدين: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ وَلْيَكْتُبْ بَيْنَكُمْ كَاتِبٌ بِالْعَدْلِ وَلَا يَأْبَ كَاتِبٌ أَنْ يَكْتُبَ كَمَا عَلَّمَهُ اللَّهُ فَلْيَكْتُبْ وَلْيُمْلِلْ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ وَلَا يَبْخَسْ مِنْهُ شَيْئًا فَإِنْ كَانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ سَفِيهًا أَوْ ضَعِيفًا أَوْ لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُمِلَّ هُوَ فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ بِالْعَدْلِ وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنْ الشُّهَدَاءِ)… 282 سورة البقرة.

يمكن سرد العشرات بل المئات من القصص الواقعية جدا وحدثت حقيقة، وليست قصة سعيد ابن جبير التابعي الجليل  عنا ببعيدة الذي تعرض للظلم من قبل الحجاج ابن يوسف الثقفي والي العراق عندما سجنه، فدعا عليه " أللهم لا تسلطه على أحد بعدي" ثمّ قتله، وبعد أيام أصيب الحجاج بمرض أقعده أياما ثمّ مات.
 

كتب: عبد الله زيدان