ان تربية الاجيال مهمة كبيرة جدا تقع على كاهل المجتمع, وللتربية اهمية كبرى في حياة المجتمعات بمكوناتها المختلفة. قال الله عز وجل ” يا ايها اللذين امنوا قو انفسكم واهليكم نارا…(التحريم).
ليس سرا اننا اليوم وفي ظل الهوس في المادة والتعليم لاجل المادة, قد فقدنا الاهتمام بالجوانب التربوية الاخرى, التي من شانها تنشئة جيل صالح. جيل يتمتع باخلاق حميدة تتوافق مع مرجعيتنا الاسلامية وبذالك نكون قد خسرنا الدعاء الذي ورد في القرآن الكريم ” ربنا هب لنا من ازواجنا وذرياتنا قرة اعين واجعلنا للمتقين اماما” ( الفرقان).
ايها الاب, ايتها الام, هل اولادكم اليوم هم كما كنتم تتمنون؟. هل هم قرة عين لكم؟.
اخي القارئ, قرة عين تعني ما يصادف به المرء سرورا فلا تطمح العين الى ما سواه. واعلم اخي القارئ ان العين لا تقر بولد جاحد ولو كان صاحب شهادة, ان العين لا تقر بولد خلقه سيئ, ان العين لا تقر بولد يعبد المال من دون الله…..
ايها الاب, ايتها الام اعلموا كما قال النابلسي “ان اشقى الناس من جمع اكبر ثروة في الارض وابنه لم يكن كما يتمنى, واعلموا ان الابن الصالح يدخل على قلب والديه من الطمانينة والسرور لا يعرفه الا من ذاقه”.
قديما, عرف ساطع الحصري التربية على انها تنشئة الفرد قوي الجسم, اخلاقه حسنة, صحيح التفكير, واعيا لواجباته وحقوقه, محبا لوطنه معتزا بقوميته.
اننا في هذا البلد الطيب مقبلون على انتخابات للسلطة المحلية نهاية شهر تشرين اول. وقد سادت في انتخابات سابقة ظاهرة خطيرة جدا تمس في ديننا, تهين كرامتنا وتعيب اخلاقنا الا وهي شراء الذمم, رشوة الشباب. اصبح شبابنا اليوم محط انظار المرشحين واتباعهم. وتناسى المرشحون المسلمون ما ورد في القرآن الكريم: “سماعون للكذب اكالون للسحت” والسحت كما قال الحسن وسعيد بن جبير هو الرشوة. و قول النبي صلى الله عليه وسلم :” الراشي والمرتشي في النار” (عن ابن عمر , اخرجه الطبراني). كذالك ورد عن ابي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم: ” لعن الله الراشي والمرتشي في الحكم” (رواه احمد والاربعة وحسنه الترمذي).
اهل بلدي الكرام, ايها الشباب تذكروا قول الله عز وجل:” ولا تاكلوا اموالكم بينكم بالباطل وتدلوا بها الى الحكام لتاكلوا فريقا من اموال الناس بالاثم وانتم تعلمون” (البقرة 188). وتذكروا قول الله عز وجل:”…… ومن يتق الله يجعل له مخرجا” ” ويرزقه من حيث لا يحتسب…..” الايات 2,3 من سورة الطلاق.
ايها القارئ الكريم هناك حكمة مفادها ” ان من جد وجد ومن زرع حصد”. وهنا اقول: اذا كنا اليوم نزرع قيمة الرشوة بيننا فماذا نحصد غدا يا ترى؟. ان ما نراه اليوم من سلوكيات وعنف وجحود وعقوق الابن للاب وطلاق وما الى ذلك ما هي الا نتاج الزرع الذي زرعناه.
اهل بلدي الكرام, تعالوا معا نزرع في اولادنا قيما سوية واخلاقا نقية لكي نحصد ابناء اصحاء في اجسامهم وتفكيرهم مدركون لحقوقهم وواجباتهم واخلاقهم حسنة. لا ولن يحصل ذلك الا اذا كنا نحن كذلك.
ايها الشباب: اعلموا ان الشباب هم الذين آزروا النبي في بداية البعثة, هم الذين ساندوا الرسول صلى الله عليه وسلم . ايها الشباب, اليكم امثلة على اولئك الشباب الذين سطروا التاريخ وبلغت دولتهم ما بين المشرق والمغرب. ابو بكر الصديق كان عمرة عندما اسلم 37 عاما, عمر بن الخطاب 26, عثمان بن عفان 20 عاما, علي بن ابي طالب 8 سنوات, الزبير بن العوام 18 عاما, سعد بن ابي وقاص 17 عاما, جعفر بن ابي طالب 18 عاما, سعيد بن زيد 19 عاما, خباب بن الارت 20 عاما.
ايها الشباب: انتم حاضرنا ومستقبلنا, بكم نرقى ويرقى المجتمع, انتم قادة المستقبل فانظروا ماذا انتم فاعلون والى اين انتم ذاهبون.
أهدي الشباب تحية الإكبار * * * هم كنزنا الغالي و ذخر الدار
ما كان أصحاب النبي محمد * * * إلا شبابا شامخ الأفكار
انهي مقالي هذا بقصة عسى ان نعتبر:
قيل إن ملكاً استدعى ثلاثة من وزرائه وطلب منهم أمراً غريباً، فقد طلب من كل وزير أن يأخذ كيساً كبيراً وأن يذهب إلى بستان القصر وأن يبدأ بملء هذا الكيس للملك من مختلف طيبات الثمار، وقد كان البستان مليئا بها، ثم قال لهم بحزم شديد إياكم أن تستعينوا بأحد في هذه المهمة أو أن تسندوها إلى شخص آخر. استغرب الوزراء من طلب الملك إلا أنه ما كان عليهم إلا التنفيذ والانصياع لأمره، فأخذ كل واحد منهم كيسه وانطلق إلى البستان.
فأما الوزير الأول فقد حرص على أن يرضي الملك فجمع من كل الثمرات ومن أفضل وأجود المحصول وكان يتخير الطيب والجيد من الثمار حتى ملأ الكيس.
أما الوزير الثاني فقد كان مقتنعاً بأن الملك لا يريد الثمار ولا يحتاجها لنفسه وأنه لن يتفحص الثمار فقام بجمع الثمار بكسل وإهمال فلم يتحرَ الطيب من الفاسد حتى ملأ الكيس بالثمار كيفما اتفق.
أما الوزير الثالث فلم يعتقد أن الملك سوف يهتم بمحتوى الكيس أصلاً فملأ الكيس بالحشائش والأعشاب وأوراق الأشجار.
وفي اليوم التالي أمر الملك أن يؤتى بالوزراء الثلاثة مع الأكياس التي ملؤوها حسب طلبه، فلما اجتمع الوزراء بالملك نظر إلى رئيس الجند وقال له: خذوا الوزراء الثلاثة وضعوهم في السجن لمدة ثلاثة أشهر ولكن كل على حدة، وليأخذ كل واحد منهم كيسه معه إلى السجن، إياك ثم إياك أن يصل إليهم أحد مهما كان وامنع عنهم الأكل والشراب طيلة هذه المدة وتم تنفيذ أمر الملك بحذافيره، حبس انفرادي لكل منهم مع الكيس الذي ملأه من بستان القصر، لا طعام ولا شراب لمدة ثلاثة اشهر.
فأما الوزير الأول فقد ظل يأكل من طيبات الثمار التي جمعها حتى انقضت الأشهر الثلاثة، وأما الوزير الثاني فقد عاش الشهور الثلاثة في ضيق وقلة حيلة وضنك ومعاناة شديدة، معتمداً على ما صلح فقط من الثمار التي جمعها، أما الوزير الثالث فقد مات جوعاً قبل أن ينقضي الشهر الأول.
أخي الحبيب،
ولله المثل الأعلى: الوزير هو أنت، والبستان هي الدنيا، والسجن هو قبرك، فاسأل نفسك مثل أي وزير أنت؟ أنت الآن في بستان الدنيا لك الحرية المطلقة أن تجمع من الأعمال الطيبة أو الأعمال الخبيثة ولكن ماذا تفعل غداً عندما يأمر ملك الملوك أن تسجن في قبرك؟ في ذلك السجن الضيق المظلم الموحش ستكون لوحدك فماذا تعتقد أنه سوف ينفعك غير طيبات الأعمال التي جمعتها في حياتك الدنيا.
“اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّاراً * يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَاراً * وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَاراً”.
والله من وراء القصد
الكاتب
الاستاذ
رمزي عرابي