الرئيسيةمقالات وآراءافضل الدعوه – القدوه ولا قدوه بدون قوه / بقلم: عاطف عالم

افضل الدعوه – القدوه ولا قدوه بدون قوه / بقلم: عاطف عالم

بسم الله الرحمن الرحيم
قال عز وجل : "واعدوا لهم ما استطعتم من قوه ومن رباط الخيل  ترهبون به عدو الله وعدوكم"  . وهذه دعوه لامتلاك الوسائل العلميه والماديه لتجعلنا من العالم في مكان الصدارة والقياده  .

وقال : "وعد الله الذين امنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الارض" . وهي وعد بالتمكين والنصر والقياده اذا امنا وأدينا ما فرض الله علينا .

جاء في مقدمة ابن خلدون ان الشعوب الضعيفة تقتدي وتقلد الشعوب القويه .

وقال الشيخ محمد الغزالي رحمه الله : "ان الفقر لا يقيم دوله ولا ينصر امه وقله ذات اليد لا تحمي شعباً .

ويشهد التاريخ الاسلامي ان الملايين دخلوا في الاسلام في عهد خلافة الامويين والعباسيين رغم انه لم يكن هناك اكراه في الدين وفي كثير من الاحيان لم تصلهم الفتوحات الاسلاميه اصلاً مما يدل ان الامه الاسلاميه كانت قدوه تتطلع الشعوب للاقتداء بها .

والسؤال كيف وصلت الامه انذاك الى هذه المكانة من القدوه وكيف اصبحت محط انظار باقي الشعوب وقبلتهم للارتقاء والتقدم. واليوم أصبحنا تابعين لا متبوعين .
كما بين رب العزه في الاية اعلاه : اول الامر الايمان , وهو علاقه الفرد بربه ولكنه اضاف اليه عمل الصالحات    والتي من بينها اعمار الارض والقدره على التفوق والاكتفاء الذاتي حتى يصبح الفرد المسلم والامه المسلمه محط الانظار وقدوه يقتدي بها ومتبوعا لا تابعا .

كانت وما زالت القوه الاقتصاديه هي اهم قوه لتدريج الامم , والقوه العسكريه هي نتاج القوه الاقتصاديه . قوه الولايات المتحده الاميريكيه  اليوم هي بالاساس قوه اقتصاديه انتجت قوه عسكريه واعلاميه حتى اصبحت حضارتهم , اخلاقهم ومشاهيرهم قبله الامم وقبله شباب العالم ومن بينهم وللاسف كثير من شبابنا وشاباتنا .

ان تقاعسنا في الارتقاء بقوتنا الاقتصاديه له بعد دعوي من الدرجه الاولى وله بعد على فتنة اجيال كامله بالحضاره والقيم الغربيه  .
بعد ان تأكد لنا ان لقوتنا الاقتصاديه بعدا اساسيا  لتعبدنا لله , لكيفية استخلافنا في الارض ولقدراتنا الدعويه  على الامم الاخرى اصبح لا بد من وعي اقتصادي على المستوى الفردي وعلى مستوى الامه لكيفية الارتقاء حتى تصبح يدنا العليا.
 وما ذلك على الله بعزيز . ولنا في  التجربه الماليزيه اكبر برهان اذا صدقت النوايا وعزمت الامه .

الوعي الاقتصادي يتعلق بوجهان عليهما يقوم كل اقتصاد في العالم :
الوجه الاول  : الاستهلاكي :
قال تعالى : " وكلوا واشربوا ولا تسرفوا "
وقال : " ان المبذرين كانوا  اخوان الشياطين " أي ان المال في الاسلام يجمع بطريقه مشروعه ويوزع بضابط وينفق بحدود .
على المستوى الفردي : الوسطيه في الاستهلاك وملائمة ميزانية الفرد والاسره للمصاريف .
ترشيد الاستهلاك  للحد من الكماليات وكيفية اقتناء الضروريات بأقل تكلفه , ترتيب الحاجات حسب الأولويات وتوزيع الموارد على هذه الحاجات المرتبه حتى يستطيع الحصول على اعظم المنافع في حدود موارده المتاحه .

كلما ارتقى هذا الوعي اصبح الفرد والاسره اكبر قدره على التصرف المالي المتوازن بين الاستهلاك والاستثمار للاموال ولقد صدق القول المأثور : "التدبير نصف المعيشة" . فاذا كانت الاتجاهات الاستهلاكيه عند الوالدين متوازنه ومعتدله بما يتناسب مع مدخول الاسره فأن  الاولاد يقتدون بهما وتنمو في نفوسهم اتجاهات استهلاكيه معتدله مما يجنب الاسره مخاطر اجتماعيه واقتصاديه . هذا المشروع يجب ان يشمل اولا ترشيد استهلاك للضروريات كالماء والكهرباء والمأكل والملبس ومن ثم الاستهلاك المتوازن للكماليات والوعي بجدواها الحقيقيه  وعدم الانجرار وراء سحرها الكاذب .
يوصي خبراء الاقتصاد بأن يتم تخطيط ميزانية الاسره على اساس تقسيم مداخيل الاسره الى ثلاثة اقسام :
1. المصروفات  2. المدخرات الاحتياطيه لمواجهة  الطوارئ   3. الاستثمارات .
هذا التقسيم يجنب الاسره مخاطر اقتصاديه غير متوقعه وقدره على النمو الاقتصادي ورفع مستوى المعيشه بشكل مستمر .
على مستوى الامه :
توفير الاحتياجات الضروريه وعدم التوسع في الكماليات قدر الامكان . رفع مستوى التكافل الاجتماعي حتى وان لم تكن هناك سلطه ذاتيه , فمن الممكن بواسطة تنظيم موارد الزكاة والصدقات ان نصل الى الاكتفاء الذاتي في الضروريات ولو على حساب القليل القليل من الكماليات . فضمان حد الكفايه لكل مسلم اي المستوى اللائق للمعيشة عنصر اساسي لكي يقوم الفرد باركان وفرائض الاسلام بما فيها الزكاه وطلب العلم والتعفف … الخ .
الوجه الثاني  :  الانتاجي :
قال عز وجل : "وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون"
اننا ننتج لنسد حاجاتنا ونستغني عن الغير ولكي لا نكون  عاله على الناس ولا تكون يدنا السفلى , ننتج لكي نعبد الله ونشكره ولنحقق غاية وجودنا ولنقوي  جماعة المسلمين ولنحقق الخلافة ومقام الخيريه والشاهديه على امم الارض جميعا.
على المستوى الفردي :
تثقيف الفرد  والاسره اقتصاديا لتمارس الانتاج لكي يتعزز الدخل  ويتحقق العيش الكريم وذلك بتشكيل جمعيات ومؤسسات اقتصاديه تقوم بارشاد لمشاريع انتاجية ودعمها اقتصاديا .

ان الوعي الاقتصادي لانتاج السلع والخدمات من اهم مراحل نجاح الفرد والاسره اقتصاديا واجتماعيا ويبعد الفرد عن التعطل والكسل والعوز وما ينتج عنها من اثار سلبيه على المستوى المعنوي للفرد والاسره وعلى المستوى الدعوي كما اسلفت سابقا  .
قال صلى الله عليه وسلم : "اليد العليا خير من اليد السفلى " وقال : "خير الناس انفعهم للناس" .
فالغني مسؤول عن ماله فيما انفقه وهذه المسؤوليه تحتاج الى ترشيد من اجل تعظيم المنافع .
وسواء كان الشخص فردا او مؤسسه فانه يحتاج الى توعيه اقتصاديه تؤدي الى اعظم ناتج بأقل تكلفة .
التأكيد على مسؤولية الاستخلاف والاعمار في الارض  والبعد التعبدي في ذلك (قال صلى الله عليه وسلم : "  ما من مسلم يغرس غرسا أو يزرع زرعا فيأكل منه إنسان أو طير أو بهيمة إلا كانت له صدقة") .

التأكيد ان العمل هدفا بذاته والدليل هو قوله صلى الله عليه وسلم : " ان قامت الساعه وفي يد احدكم فسيلة , فان استطاع ان لا تقوم حتى يغرسها فليغرسها ", وان اتقان العمل من محبة  الله , قال صلى الله عليه وسلم " ان الله يحب اذا عمل أحدكم عمل ان يتقنه" .
وأخيراً , التأكيد ان العمل الدنيوي قد يعتبر بحد ذاته عباده ووسيله لغفران الذنوب اذا ما كان عملاً ايجابياً ونافعاً للذات وللآخرين . قال صلى الله عليه وسلم : "من امسى  كالاً من عمل يديه امسى مغفورا له" .
وبالمقابل ذم الاسلام البطاله والسؤال وقصته صلى الله عليه وسلم مع الحطاب مشهوره حتى انه صلى الله عليه وسلم منع الزكاة عن الغني او القوي الذي يقدر على العمل حين قال  " لا تحل الصدقه لغني ولا لذي مره سوي" .واكد الشرع انه لا خير في عمل لا يبنى على علم وهذا يعني ترشيد العلم والعمل واجتناب اضاعة الوقت في علم لا ينفع او في عمل على غير علم .

عملية التوعيه يجب ان تشمل ايضا هذه المجالات  :
1. ان جميع الاعمال التي يحتاج اليها المسلمون هي من فروض الكفايات فان قام بها البعض , والاّ اثم الجميع , حتى ينهضوا بها . واثم القادر عليها المتخلف عنها اثم كبير .
2. التخصص وتقسيم العمل اساس من اسس زيادة الانتاج . (قال صلى الله عليه وسلم : "كل ميسر لما خلق له"  ) .
3. عدم اضاعة الزمن , قال صلى الله عليه وسلم :" لا تزولا قدم عبد يوم القيامه حتى يسأل عن عمر فيما افناه … "  
4. تحفيز الناس للمبادره وركوب المخاطر المشروعه(كما بينت في المقال في العدد السابق).
5. الشراكه لما فيه من تعاون وتقويه على انتاج اكبر . قال صلى الله عليه وسلم : "يد الله مع الشريكين ما لم يتخاونا"  .
6. تشغيل المال وعدم تعطيله , فنهانا عن تعطيل الارض , وحبس السلع وكنز المال .
7. الاستثمار الخلاق أي الذي ينتج عنه منافع جديده تحول المورد من عنصر غير منتج الى عنصر منتج ومثمر للمنافع وذلك مثلما في حالة استصلاح  الاراضي البور وتحويلها الى اراضي صالحه للزراعه.
8.  توضيح المقاصد الحقيقيه للزهد وان الزاهد الحقيقي لا يقعد عن الكسب والعمل والانتاج فهذه مصادر قوه المجتمع الاسلامي وتقوي الانسان على طاعة الله وعلى اخراج الزكاه والصدقات , على تجهيز الجيوش … الخ .
قال صلى الله عليه وسلم :"المؤمن القوي خير واحبّ الى الله من المؤمن الضعيف , وفي كل خير" .
وقال العز بن عبد السلام : "ليس الغنى بمناف للزهد" .

اما على مستوى الامة والمجتمع :
1. إنشاء مؤسسات ماليه اسلاميه في كل حي او بلد من بلاد المسلمين (جمعيات , غرف تجاريه الخ ) هدفها المساعده الماليه , ارشاد في الاستثمارات والمشاريع  , التوعيه المهنيه .. . الخ .
2. العمل على تنمية الموارد وان لا يقتصر الامر على تحقيق التوازن بين المنتجات والحاجات بل يتعدى الامر للتوعيه لاستخلاص مفاهيم وقوانين للاستفاده منها للتنبؤ للانتقال من الماضي الى التوقع المستقبلي كتطور الاسعار او توقع الازمات بل ويتعدى ذلك الى اتخاذ سياسات ماليه لمنع وقوع كوارث اقتصاديه .
اما كيفية النهوض الاقتصادي فالامر يعتمد على اربعه مقومات  : (كما بينها الدكتور علي مراد )
1. البعد البشري : لا يوجد نهوض اقتصادي من دون وجود بشر يحقق بهم ولهم حياة سعيده وميسره ولا يمكن لاي مشروع اقتصادي ان ينجح ما لم يؤمن به الناس ويعملوا على تحقيقه .
2. البعد الاجتماعي : هدف النهضة الاقتصاديه  الاستقرار والسلام وحياه خاليه من المتاعب والفساد والانحراف والفقر والجوع .
3. البعد الايماني : ويعتمد بالاساس على الاعتقاد الجازم بان المال مال الله وعندما يقوم الفرد بأي عمل أقتصادي فهو مطالب بأن يرعى الله ويتبع التعاليم التي جاء بها الشرع .
4. التقوى : وهي التي توقظ الضمير الانساني وتجعله يفضل الحلال ويبعد عن الحرام . قال عز وجل : " ولو ا ن اهل القرى امنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والارض" .
 بدون التقوى لن تجدي الرقابه الاداريه ورقابة القوانين .      
المقال الثاني عشر  في سلسلة مقالات تنشر في مجلة اعمار …يتبع  .

ولله ولي التوفيق
عاطف عالم